السيدا أو الإيدز: الأسباب والعلاج والأعراض ومخاوف طرق الانتقال

 

يرتبط مرض السيدا أو الإيدز بوصمة عار اجتماعية عادةً بسبب طريقة انتقاله المرتبطة بممارسة الجنس لذا كان لا بد من توضيح أنّ مرض السيدا هو أبعد من ذلك.

يعد فيروس HIV الذي يضعف جهاز المناعة مسؤولاً عن ظهور مرض السيدا في المرحلة المتأخرة من الإصابة بهذا الفيروس.

نوضح في هذه المقالة مرض السيدا أو الإيدز وكيفية انتقاله بعيداً عن الخرافات وأسباب حدوثه وطرق الوقاية والعلاجات المتوفرة.

ما هو فيروس HIV

يرمز فيروس HIV أو (إتش اي في) إلى فيروس عوز المناعة البشري والذي يهاجم الخلايا المناعية التي يطلق عليها اسم خلايا CD4.

تعتبر CD4 إحدى أنواع خلايا جهاز المناعة وهي نمط من الكريات البيض الجائلة في الدم وتكون مسؤولة عن كشف أي عدوى أو خطأ يصيب خلايا جسم الإنسان.

يستهدف فيروس HIV خلايا CD4 ويتغلغل بداخلها ثم يستخدمها لخلق المزيد من نسخ الفيروس والتي تخرب المزيد من الخلايا المناعية مما يقلل من قدرة الجسم على مواجهة الأمراض أو أي عدوى ميكروبية.

يؤدي ذلك بدوره إلى زيادة خطر حدوث ما يسمى العدوى الانتهازية (أي العدوى التي تنتهز فرصة ضعف مناعة الجسم لإحداث المرض فيه دون مقاومة) وقد تتطور إلى الإصابة ببعض أنواع السرطان.

من جهة أخرى لا يوجد مشكلة إذا كان جسم الإنسان يحمل فيروس HIV لفترة طويلة بدون ظهور أعراض.

يمكن القول أنّ فيروس HIV مهدد لحياة الإنسان، ولكن إجراء العلاجات والتدابير اللازمة تمنع انتشار الفيروس وتقدم المرض.

يجب أن ننوه أيضاً إلى أنّ فيروس HIV ينتمي إلى عائلة أو فصيلة فيروسات تسمى فيروسات الريترو (فصيلة الفيروسات الراجعة أو القهقرية) والتي تستخدم حمضها النووي RNA لنسخ المزيد منها.

ما هو مرض السيدا أو الإيدز؟

يرمز السيدا باللغة الفرنسية أو الإيدز باللغة الإنجليزية إلى متلازمة نقص المناعة المكتسبة وهي حالة متطورة من فيروس HIV.

يتم تشخيص الإصابة بالسيدا عندما يصبح عدد خلايا CD4 المناعية أقل من 200 خلية لكل ميلي متر مكعب في الساحة المجهرية.

يُشخص مرض السيدا أيضاً من خلال ملاحظة إصابة المريض بالعدوى الانتهازية أو السرطان أو كلاهما معاً.

عندما لا تتم معالجة الشخص المصاب بفيروس HIV وتظهر عليه أعراض ستتدهور حالة الجهاز المناعي تدريجياً للوصول إلى المرحلة المتأخرة من الإصابة وهي ظهور مرض السيدا.

أسباب مرض السيدا

نوضح أسباب السيدا من خلال الإجابة على تساؤل كيف ينتقل مرض السيدا من شخص لآخر.

ينتقل فيروس HIV عبر سوائل الجسم الحاملة للفيروس وهي:

الدم

النطاف أو المني

السائل قبل قذف النطاف

سوائل المهبل

سوائل المستقيم

حليب الإرضاع

نؤكد بالمقابل أنّ فيروس السيدا لا ينتقل أبداً عبر اللعاب وبالتالي لا ينتقل مرض السيدا من شخص الآخر عبر التقبيل أو الجنس الفموي على سبيل المثال.

تعتبر العلاقات الجنسية غير الصحية أحد أهم أسباب الإصابة بالسيدا خاصة عند عدم استخدام عوامل الوقاية مثل الكوندوم أو الواقي الذكري.

تعد كذلك المشاركة باستخدام نفس أدوات الحقن عند إعطاء الأدوية الحقنية من أسباب انتقال مرض السيدا بين الناس.

ينتقل فيروس HIV بشكل أقل شيوعاً إلى الأطفال سواء خلال فترات الحمل والولادة أو الإرضاع، وينتقل كذلك بشكل نادر عند عمليات نقل الدم خاصة إذا تم فحص دم الشخص المتبرع فلا داعي للقلق.

يجب التأكيد أنّ مرض السيدا ينتقل عبر سوائل الجسم التي تحمل كميات محددة من فيروس HIV أي إذا كان الشخص لديه مستويات غير مكتشفة من الفيروس فلا يمكن أن ينتقل إلى شخص آخر.

تعني المستويات غير المكتشفة من الفيروس أنّ الحمل الفيروسي منخفض أو كمية الفيروس في الجسم منخفضة جداً لدرجة أنّه لا يتم تحديدها خلال فحص الدم.

هذا يعني أنّه يمكن ممارسة الجنس بأمان في هذه الحالة دون الخوف من انتقال الفيروس، ولكن مازال هناك احتمال في انتقاله عند مشاركة أدوات الحقن أو خلال الحمل والولادة.

إنّ الحمل الفيروسي المنخفض لا يعني أنّه يجب أن يتوقف المريض عند تناول الأدوية الموصوفة له من قبل الطبيب وعليه إجراء فحص الدم بشكل دوري للتأكد من الحفاظ على هذه الكميات المنخفضة من الفيروس.

متى يتطور فيروس HIV إلى مرض السيدا؟

يختلف تحول فيروس HIV إلى السيدا أو الإيدز من شخص لآخر بناء على عوامل مختلفة تشمل:

العمر

قدرة الجسم على مواجهة فيروس HIV

جودة الرعاية الصحية للمريض

ظهور إنتانات أو أمراض أخرى

المقاومة الجينية للشخص لسلالات محددة من فيروس HIV 

نوع سلالة HIV التي يحملها الشخص حيث أنّ بعض سلالات هذا الفيروس تكون مقاومة للأدوية

أعراض السيدا

نتحدث بدايةً عن أعراض السيدا الأولية أو التي تظهر باكراً حيث أنّ بعض الأشخاص الحاملين لفيروس HIV قد لا تظهر عليهم أية أعراض لمدة شهور وحتى سنين من تاريخ انتقال الفيروس.

بناء على ذلك يوجد مثلاً حوالي 13% من الناس في الولايات المتحدة الأمريكية حاملين لفيروس HIV ولا يعرفون ذلك لعدم ظهور أية أعراض.

رغم أنّ الشخص الحامل للفيروس والذي لا يبدي أية أعراض قد لا يحتاج رعاية صحية ولكنّه يكون قادراً على نقل الفيروس لشخص آخر بنسبة كبيرة.

مما سبق يوصي الأطباء دائماً بإجراء اختبار فيروس HIV للطرفين خاصة قبل ممارسة العلاقات الجنسية أو حتى قبل الزواج.

بالمقابل يبدي حوالي ثلثي الأشخاص الحاملين لفيروس HIV أعراضاً أولية تشبه أعراض الإنفلونزا تظهر خلال 2-4 أسابيع من تاريخ انتقال الفيروس.

تدعى هذه

الأعراض الأولية لمرض السيدا

بإسم أعراض متلازمة فيروسات الريترو الحادة وتشمل:

الإصابة بالحمى والقشعريرة

التعرق كثيراً وخاصة في الليل

تورم العقد اللمفاوية

طفح جلدي منتشر

الشعور بالتعب والضعف والألم خاصة ألم المفاصل والعضلات

التهاب البلعوم

تنتج هذه الأعراض عن عمل جهاز المناعة والذي يقوم بمحاربة الفيروس وبالتالي يجب على أي شخص تظهر عليه هذه الأعراض وحامل للفيروس منذ 2-6 أسابيع مضت أن يجري فحص السيدا.

أعراض السيدا غير النموذجية (غير الظاهرة)

بعد زوال الأعراض الأولية للسيدا قد لا يبدي الشخص أية أعراض أخرى لفيروس HIV لمدة سنوات.

أي يمكن أن يكون الشخص يشعر بالصحة والعافية في الوقت الذي يكون فيه الفيروس يتطور ويؤذي جهاز المناعة دون أن يشعر.

في هذه الحالة إذا لم يتابع المريض تناول الأدوية التي توقف تضاعف الفيروس سيعود المرض يظهر لديه بعد حوالي 10 سنوات ويمكن خلال فترة أقصر.

بالمقابل إنّ متابعة تناول الادوية المضادة لفيروسات الريترو (وهي الفصيلة التي ينتمي إليها فيروس HIV كما ذكرنا) ستوقف عملية تضاعف الفيروس وتمنعه من أذية الجسم بشكل كامل.

أعراض السيدا المتأخرة

عندما لا يتلقى المريض الحامل لفيروس HIV العلاج المطلوب سيضعف الفيروس قدرة الجسم على مواجهة الأمراض.

ينتقل بعدها المريض تدريجياً إلى عدوى المرحلة الثالثة من فيروس HIV وهي مرحلة السيدا أو الإيدز حيث تنتهز العديد من الجراثيم والفيروسات والفطور ضعف الجسم لتسرع الوصول لهذه المرحلة.

تتميز أعراض المرحلة الثالثة من فيروس HIV أو أعراض السيدا بما يلي:

ضبابية الرؤية

السعال الجاف

التعرق الليلي

ظهور بقع بيضاء على سطح اللسان والفم

قصر التنفس

تورم الغدد اللمفاوية لأسابيع عديدة

الإسهال المزمن

الحمى وارتفاع حرارة الجسم فوق 37 درجة مئوية لعدة أسابيع

فقدان الوزن بسرعة

يعيش مرضى السيدا عادةً حوالي 3 سنوات بعد تشخيص المرض بدون علاج، ولكن مع متابعة العلاج عند الطبيب يمكن منع حدوث مضاعفات المرض.

الأمراض الانتهازية والسرطانات عند مرضى السيدا

ذكرنا أنّ مجموعة من الجراثيم والفيروسات والفطور تنتهز فرصة ضعف مناعة الجسم عند مريض السيدا وتؤدي لظهور أمراض كثيرة تساعد في تأكيد الإصابة بالإيدز.

نذكر من أهم الأمراض التي تصيب مرضى السيدا:

العدوى الفطرية التي تسببها فطور المبيضات البيض في الجلد والاظافر وتنتقل للمريء وجهاز التنفس عند مريض السيدا

حمى الصحراء وهي حمى ناتجة عن استنشاق فطور تسمى الكوكيديوز

داء الحلأ أو الهربس وهو مرض تسببه فيروسات الهربس وتصيب الأعضاء التناسلية

ذات الرئة والتي يمكن أن تسببها جراثيم أو فطور معينة

الإنتانات الهضمية والتي تسببها طفيليات عديدة تنتقل بالطعام والشراب مسببة الإسهال والإقياء وفقدان الوزن

يمكن أن تتطور هذه الأمراض الانتهازية إلى مضاعفات خطيرة مثل فقدان الكتلة العضلية في الجسم وحدوث تورم والتهاب في الدماغ والإصابة بسرطانات عديدة.

يعد سرطان كابوزي شائعاً عند مرضى السيدا وهو نوع من السطران يؤدي إلى نمو أوعية دموية غير طبيعية في أي جزء من الجسم ويكون خطيراً عندما يصل العقد اللمفاوية.

يظهر سرطان كابوزي على مريض السيدا بأعراض مميزة مثل ظهور بقع صلبة ذات لون أسود أو بني أو زهري أو بنفسجي وقد تكون مسطحة أو بارزة.

خرافات وحقائق عن السيدا

يجب أن نؤكد دائماً أن فيروس HIV عند مريض الإيدز أو السيدا لا ينتقل من خلال مصافحة اليدين والعناق والتقبيل ولا من خلال مشاركة مائدة الطعام مع المريض.

لا ينتقل الفيروس كذلك من خلال العطاس أو مشاركة نفس الحمام مع المريض أو مناشفه لأنّ الفيروس لا ينتقل عبر البول أو البراز ولا ينتقل أيضاً عبر الدموع أو اللعاب.

تشخيص مرض السيدا

يوجد اختبارات أو فحصو عديدة يمكن إجراؤها للتأكد من إيجابية أو سلبية الإصابة بالإيدز أو السيدا ومنها:

فحص تضاعف الحمض النووي للفيروس والذي يكشف وجود الفيروس بعد 10 أيام من تاريخ الإصابة

فحص أضداد الفيروس في الدم والذي يكشف الإصابة بعد 18 يوم من تاريخ انتقال الفيروس

أدوات فحص الفيروس السريعة والمنتشرة حديثاً والتي تكشف الفيروس بعد 21 يوم من الإصابة

علاج السيدا

لا يوجد علاج شافي لمرض السيدا ولكن يوجد مجموعة من الأدوية التي يمكن أن يتناولها المريض تحت إشراف طبي لمنع تطور الفيروس.

يوجد مجموعة من الأدوية المضادة لفيروسات الريترو والتي تمنع فيروس HIV من التطور ومهاجمة خلايا CD4 المناعية مثل مثبطات أنزيم البروتياز في الفيروس ومثبطات النسخ العكسي للفيروس.

تبدأ الخطة العلاجية عادةً بمشاركة ثلاثة أنواع من الادوية المضادة للفيروس أو دوائين على الأقل حيث تمنع هذه المشاركة الفيروس من مقاومة الدواء وتجعله يعمل بكفاءة وسرعة.

يمكن تناول الدواء يومياً حسب تعليمات الطبيب مع مراقبة الحمل الفيروسي في الدم للتأكد من فعالية الخطة العلاجية ونجاحها.

في حال ظهور تأثيرات جانبية غير محتملة للدواء يجب استشارة الطبيب فوراً

الوقاية من السيدا

يمكن الوقاية من الإصابة بمرض السيدا أو الإيدز من خلال اتباع مجموعة من الإجراءات وهي:

استخدام الواقي الذكري عند إقامة العلاقات الجنسية أو تناول حبوب دواء بريب PrEP  المانعة لانتقال فيروس HIV مرة في اليوم.

استعمال أدوات حقن آمنة نظيفة وجديدة في كل مرة خلال عمليات التسريب الوريدي للمرضى.

تجنب التعرض لسوائل ومفرزات الجسم مثل النطاف والدم والإفرازات المهبلية وغيرها من السوائل الحاملة للفيروس من خلال استعمال القفازات والكمامات وتنظيف الجسم مباشرةً في حال ملامسة هذه السوائل.

تناول الأدوية المناسبة للمرأة الحامل والمصابة بالفيروس تحت إشراف طبي خلال فترة الحمل والولادة لمنع انتقال الفيروس للجنين

توعية أفراد المجتمع بمخاطر مرض السيدا وكيفية انتقاله بهدف أخذ الحيطة والحذر دائماً

نصائح للتعايش مع فيروس HIV 

قد يعيش الكثير من الناس الحاملين لفيروس HIV حياة عادية ولفترات طويلة ولذلك يجب عليهم اتباع مجموعة من الإرشادات حتى لا يتطور الفيروس إلى مرض السيدا ومن أهم هذه الإجراءات نذكر:

الالتزام بتناول الادوية المضادة لفيروسات الريترو وفق المدة والجرعة المحددة من قبل الطبيب، وضرورة استمرار التواصل مع الطبيب بين فترة وأخرى لمراقبة التطورات.

الاهتمام بصحة الجسم من خلال ممارسة الرياضة يومياً وتناول غذاء صحي نظيف ومتوازن

ممارسة العادات الصحية مثل غسل اليدين بالماء والصابون والابتعاد عن العادات المؤذية للصحة خاصة التدخين

التّأكيد على فكرة أنّ الشخص الحامل لفيروس HIV لا يعني أنّه يعاني من مرض السيدا وبالتالي لا داعي للعيش في جو من القلق والتوتر والاكتئاب وضرورة تقديم الدعم النفسي للمريض

نشير في الختام إلى أنّ مرض السيدا لا يهدد حياة الإنسان ويمكن لكثير من الأشخاص الحاملين لفيروس HIV أن يعيشوا حياة طويلة مع الالتزام بنمط الحياة والعلاج المقدم لهم وأنّ ممارسة الجنس السليم عامل وقاية دائماً لحماية نفسك من هذا المرض.